كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية. وقوله: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وعلى كُلِّ ضَامِرٍ} الآية. قد يستدل بهذه الآية من ذهب من العلماء. إلى أن الحج ماشيئًّا لمن قدر عليه أفضل من الحج راكبًا، لأنه قدمهم في الذكر، فدل على الاهتمام بهم وقوة هممهم: وقال وكيع، عن أبي العميس، عن أبي حلحلة، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس قال: ما آسى على شيء إلا أني وددت أن يكنت حججت ماشيئًّا، لأن الله يقول: {يَأْتُوكَ رِجَالًا}.
والذي عليه الأكثرون: أن الحج راكبًا أفضل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه حج راكبًا مع كمال قوته صلى الله عليه وسلم. انتهى منه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: اعلم أنه قد تقرر في الأصول: أن منشأ الخلاف في هذه المسألة، التي هي: هل الركوب في الحج. أفضل، أو المشي؟ ونظائرها كون أفعال النَّبي صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى الجبلة والتشريع ثلاثة أقسام:
القسم الأول: هو الفعل الجبلي المحض: أعني الفعل الذي تقتضيه الجبلة البشرية بطبيعتها، كالقيام، والقعود، والأكل، والشرب، فإن هذا لم يفعل التشريع والتأسي، فلا يقول أحد: أنا أجلس وأقوم تقربًا لله، واقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يقوم ويجلس لأنه لم يفعل ذلك التشريع والتأسي. وبعضهم يقول: فعله الجبلي يقتضي الجواز، وبعضهم يقول: يقتضي الندب. والظاهر ما ذكرنا من أنه لم يفعل للتشريع، ولَكِنه يدل على الجواز.
القسم الثاني: هو الفعل التشريعي المحض. وهو الذي فعل لأجل التأسي، والتشريع كأفعال الصلاة، وأفعال الحج مع قوله: «صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي» وقوله: «خذوا عني مناسككم».
القسم الثالث: وهو المقصود هنا هو الفعل المحتمل للجبلي والتشريعي.
وضابطه: أن تكون الجبلة البشرية تقتضيه بطبيعتها، ولَكِنه وقع متعلقًا بعبادة بأن وقع فيها، أو في وسيلتها كالركوب في الحج، فإن ركوبه صلى الله عليه وسلم في حجه محتمل للبجلة، لأن الجبلة البشرية تقتضي الركوب، كما كان يركب صلى الله عليه وسلم في أسفاره غير متعبد بذلك الركوب، بل لاقتضاء الجبلة إياه: ومحتمل للشرعي لأنه صلى الله عليه وسلم فعله في حال تلبسه بالحج وقال: «خذوا عني مناسككم» ومن فروع هذه المسألة: جلسة الاستراحة في الصلاة والرجوع من صلاة العيد في طريق أخرى غير الذي ذهب فيها إلى صلاة العيد. والضجعة على الشق الأيمن، بين ركعتي الفجر، وصلاة الصبح، ودخول مكة من كداء بالفتح والمد، والخروج من كدى بالضم والقصر. والنزول بالمحصب بعد النفر من مِنًى ونحو ذلك.
ففي كل هذه المسائل خلاف بين أهل العلم لاحتمالها للجبلي والتشريعي. وإلى هذه المسألة أشار في مراقي السعود بقوله:
وفعله المركوز في الجبلة ** كالأكل والشرب فليس مله

من غير لمح الوصف والذي احتمل ** شرعًا ففيه قل تردد حصل

فالحج راكبًا عليه يجري ** كضجعةٍ بعد صلاة الفجر

ومشهور مذهب مالك: أن الركوب في الحج أفضل، إلا في الطواف والسعي، فالمشي فيهما واجب.
وقال سند واللخمي من المالكية: إن المشي أفضل للمشقة، وركوبه صلى الله عليه وسلم جبلي لا تشريعي. وما ذكرنا عن مالك من أن الركوب في الحج أفضل من المشي، هو قول أكثر أهل العلم، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي وغيرهما.
قال النووي في شرح المهذب: قد ذكرنا أن الصحيح في مذهبنا أن الركوب أفضل. قال العبدري: وبه قال أكثر الفقهاء، وقال داود: ماشيئًّا أفضل، واحتج بحديث عائشة: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: «ولَكِنها على قدر نفقتكِ أو نصبِك» رواه البخاري ومسلم، وفي رواية صحيحة «على قدر عنائكِ ونصبك» وروى البيهقي بإسناده، عن ابن عباس قال: ما آسى على شيء ما آسى أني لم أحج ماشيئًّا، وعن عبيد بن عمير قال ابن عباس: ما ندمت على شيء فاتني في شبابي، إلا أني لم أحج ماشيئًّا، ولقد حج الحسن بن علي خمسًا وعشرين حجة ماشيئًّا. وإن النجائب لتقاد معه، ولقد قاسم الله تعالى ماله ثلاث مرات، حتى كان يعطي الخف، ويمسك النعل. انتهى محل الغرض منه، والحديث المرفوع عن ابن عباس في فضل الحج ماشيئًّا: ضعيف، وحديث عائشة المتفق عليه الذي أشار إليه النووي يقوي حجة من قال: بأن المشي في الحج أفضل من الركوب، لأنه أكثر نصبًا وعناء. ولفظ البخاري «ولَكِنها على قدر نفقتك أو نصبك» ولفظ مسلم «ولَكِنها على قدر نصبك» أو قال «نفقتك» والنصب: التعب، والمشقة.
مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة:
المسألة الأولى:
قد دل الكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين: على وجوب الحج مرة واحدة في العمر، وهو إِحدى الدعائم الخمس، التي بني عليها الإسلام إجماعًا.
أما دليل وجوبه من كتاب الله: فقوله تعالى: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العالمين} [آل عمران: 97].
وأما السنة فالأحاديث في ذلك كثيرة، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا»، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قلت: نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تَرَكْتُكثم فإِنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه». انتهى منه.
ومحل الشاهد من هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا»، ونحوه أخرجه الإمام أحمد والنسائي، واستدل بهذا الحديث على أن الأمر المجرد من القرأئن، لا يقتضي التكرار كما هو مقرر في الأصول.
والدليل على أنه إحدى الدعائم الخمس التي بني عليها الإسلام: حديث ابن عمر المتفق عليه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان» هذا لفظ البخاري.
وقد وردت في فضل الحج والترغيب فيه أحاديث كثيرة: فمن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال «إيمان بالله ورسوله قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا؟ قال: حج مبرور» متفق عليه. وعنه رضي الله عنه أيضًا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» متفق عليه أيضًا: وعنه أيضًا رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما: والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» متفق عليه أيضًا، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: «لَكِن أفضل من الجهاد: حج مبرور» رواه البخاري: وعنها أيضًا رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء» أخرجه مسلم بهذا اللفظ. والأحاديث في الباب كثيرة. وفضل الحج وكونه من الدعائم الخمس معروف.
واعلم: أن وجوب الحج المذكور تشترط له شروط: وهي: العقل، والبلوغ، والإسلام، والحرية، والاستطاعة. ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم، أما العقل فكونه شرطًا في وجوب كل تكليف واضح، لأن غير العاقل لا يصح تكليفه بحال. وأما اشتراط البلوغ فواضح، لأن الصبي مرفوع عنه القلم، حتى يحتلم، فالبلوغ والعقل كلاهما: شرط وجوب وأما الإسلام: فالظاهر أنه على القول، بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، فهو شرط صحة لا شرط وجوب، وعلى أنهم غير مخاطبين بها، فهو شرط وجوب، والأصح خطاب الكفار بفروع الشريعة أوضحنا أدلته في غ ير هذا الموضع، فيكون الإسلام شرط صحة في حقهم، ومعلوم أنه على أنه شرط وجوب، فهو شرط صحة أيضًا، لأن بعض شروط الوجوب، يكون شرطًا في الصحة أيضًا: كالوقت للصلاة. فإنه شرط لوجوبها وصحتها أيضًا، وقد يكون شرط الوجوب ليس شرطًا في الصحة كالبلوغ، والحرية، فإن الصبي لا يجب عليه الحج، مع أنه يصح منه لو فعله، وكذلك العبد إلا أنه لا يجزئ عن حجة الإسلام، إلا إذا كان بعد البلوغ وبعد الحرية. وأما الحرية: فهي شرط وجوب، فلا يجب الحج على العبد، واستدل العلماء على عدم وجوب الحج على العبد بأمرين:
الأول: إجماع أهل العلم على ذلك. ولَكِنه إذا حج صح حجه، ولم يجزئه عن حجة الإسلام، فإن عق بعد ذلك فعليه حجة الإسلام.
قال النووي في شرح المهذب: أجمعت الأمة على أن العبد لا يلزمه الحج، لأن منافعه مستحقة لسيده، فليس هو مستطيعًا. ويصح منه الحج بإذن سيده، وبغير إذنه بلا خلاف عندنا. قال القاضي أبو الطيب: وبه قال الفقهاء كافة، وقال داود: لا يصح بغير إذنه انتهى محل الغرض منه.
الأمر الثاني: حديث جاء عن النَّبي صلى الله عليه وسلم يدل على ذلك: وهو أنه صلى الله عليه وسلم جاء عنه من حديث ابن عباس أنه قال: «أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة الإسلام، وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة الإسلام» قال ابن حجر في التلخيص في هذا الحديث: رواه ابن خزيمة، والإسماعيلي في مسند الأعمش والحاكم، والبيهقي، وابن حزم، وصححه، والخطيب في التاريخ من حديث محمد بن المنهال، عن يزيد بن زريع، عن شعبة، عن الأعمش عن أبي ظبيان عنه قال ابن خزيمة: الصحيح موقوف، بل خرجه كذلك من رواية ابن أبي عدي عن شعبة، وقال البيهقي: تفرد برفعه محمد بن المنهال، ورواه الثوري عن شعبة موقوفًا.
قلت: لَكِن هو عند الإسماعيلي، والخطيب، عن الحارث بن سريح، عن يزيد بن زريع متابعة لمحمد بن المنهال.
ويؤيد صحة رفعه ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه: أنا أبو معاوية، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: احفظوا عني ولا تقولوا: قال ابن عباس. فذكره، وهذا ظاهر أنه أراد أنه مرفوع، فلذا نهاهم عن نسبته إليه. وفي الباب عن جابر أخرجه ابن عدي بلفظ «لو حج صغير لكان عليه حجة أخرى» الحديث، وسنده ضعيف، وأخرجه أبو داود في المراسيل عن محمد بن كعب القرظي نحو حديث ابن عباس مرسلًا، وفيه راو مبهم انتهى من التلخيص.
وقال البيهقي في سننه: وأخبرنا أبو الحسن المقري: ثنا الحسن بن محمد بن إسحاق: ثنا يوسف بن يعقوب: ثنا محمد بن المنهال: ثنا يزيد بن زريع بن زريع ثنا شعبة عن سليمان الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما إعرابي حج ثم هاجر فعليه حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى» ثم ساق الحديث بسند آخر موقوفًا على ابن عباس، وسكت ولم يبين هل الموقوف أصح أو المرفوع؟ وقال النووي في شرح المهذب في هذا الحديث:
رواه البيهقي في الباب الأول من كتاب الحج بإسناد جيد؟ ورواه أيضًا موقوفًا، ولا يقدح ذلك فيه. ورواية المرفوع قوية، ولا يضر تفرد محمد بن المنهال بها، فإنه ثقة مقبول ضابط. روى عن البخاري ومسلم في صحيحيهما. اهـ.
وقد علمت من كلام ابن حجر: أن ابن المنهال تابعه على رفع الحديث المذكور الحارث بن سريج فقد زال التفرد. والظاهر: أن الحارث المذكور هو ابن سريج النقال، ولا يحتج به لضعفه. وبما ذكرنا تعلم أن الحديث المذكور لا يقل عن دردة الاحتجاج، ووجه الدلالة منه، على أن الحرية شرط في وجوب الحج أنه لو حج وهو مملوك ثم أعتق بعد ذلك لزمته حجة الإسلام، فلو كان واجبًا عليه في حال كونه مملوكًا أجزأه حجه عن حجة الإسلام كما هو ظاهر، والعلم عند الله تعالى.
وقال أبو عيسى الترمذي رحمه الله ما نصه: وقد أجمع أهل العلم: أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك فعليه الحج، إذا أدرك لا تجزئ عنه تلك الحجة عن حجة الإسلام، وكذلك المملوك إذا حج في رقه ثم أعتق فعليه الحج إذا وجد إلى ذلك سبيلًا، ولا يجزئ عنه ما حج في حال رقه، وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق.
وأما الاستطاعة: فقد نص تعالى على اشتراطها في قوله: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] ومعنى الاستطاعة في اللغة العربية معروف، وتفسير الاستطاعة في الىية اختلف فيه العلماء.
فالاستطاعة في مشهور مذهب مالك الذي به الفتوى: هي إمكان الوصول، بلا مشقة عظيمة زائدة على مشقة السفر العادية، مع الأمن على النفس، والمال. ولا يشترط عندهم الزاد والراحلة، بل يجب الحج عندهم على القادر على المشي، إن كانت له صنعة يحصل منها قوته في الطريق: كالجمال، والخراز، والنجار، ومن أشبههم.
وقال الشيخ الحطاب في كلامه على قول خليل في مختصره: ووجب باستطاعة بإمكان الوصول، بلا مشقة عظمت، وأمن على نفس، ومال ما نصه: وقال مالك في كتاب محمد، وفي سماع أشهب لما سئل عن قوله تعالى: {مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلًا} وزاد في كتاب محمد: وربَّ صغير أجلد من كبير، ونقل في المقدمات كلام مالك ثم قال بعده: فمن قدر على الوصول إلى مكة، إما راجلًا بغير كبير مشقة، أو راكبًا بشراء أو كراء. فقد وجب عليه الحج، ونقله في التوضيح. انتهى من الحطاب.
واعلم: أن بعض المالكية يشترطون في الصنعة المذكورة، ألا تكون مزرية به.
واعلم أن المالكية: اختلفوا في الفقير الذي عادته سؤال الناس في بلده، وعادة الناس إعطاؤه، وذلك السؤال هو الذي منه عيشته إذا علم أنه إذا علم أنه إن خرج حاجًا، وسأل أعطاه الناس ما يعيش به، كما كانوا يعطونه في بلده، هل سؤاله الناس وإعطاؤهم إياه يكون بسببه مستطيعًا لقدرته على الزاد بذلك، فيجب عليه الحج بذلك، أو لا يجب عليه بذلك؟
فذهب بعضهم: إلى أن ذلك لا يجب عليه به الحج، ولا يعد استطاعة، وبهذا القول جزم خليل بن إسحاق رحمه الله في مختصره الذي قال في ترجمته مبينًا لما به الفتوى، وذلك في قوله: فيما لا تحصل به الاستطاعة لا بدين أو عطية أو سؤال مطلقًا.
ومعنى كلامه: أن من لم يمكنه الوصول إلى مكة، إلا بتحمل دين في ذلك، أو قبول عطية ممن أعطاه مالًا أو سؤال الناس مطلقًا، أنه لا يعد بذكل مستطيعًا، ولا يجب عليه الحج، وقوله: أو سؤال مطلقًا يعني بالإطلاق، سواء كان السؤال عادته في بلده أو لا وسواء كانت عادة الناس إعطاءه أو لا، أما إذا كانت عادة الناس عدم إعطائه، فالحج حرام عليه، لأنه إلقاء باليد إلى التهلكة، سواء كان السؤال عادته في بلده أو لا، وأما إن كانت عادة الناس إعطاءه، ولم يكن السؤال عادته في بلده، فلا خلاف في أنه لا يعد مستطيعًا ولا يجب عليه الحج، وأما إن كانت عادته السؤال في بلده، ومنه عيشته، وعادة الناس إعطاؤه، فهو محل الخلاف، وقد ذكرنا آنفًا قول خليل في مختصره: أنه لا يجب عليه الحج، ولا يعد مستطيعًا بسؤال الناس، وذلك في قوله: أو بسؤال مطلقًا، وقال الشيخ المواق في شرحه لقول خليل: وسؤال مطلقًا، وقال خليل في منسكه: وظاهر المذهب أنه لا يجب على من عادته السؤال، إذا كانت العادة إعطاءه، ويكره له المسير، فإن لم تكن عادته السؤال، أو لم تكن العادة إعطاءه سقط الحج بالاتفاق، وقال الشيخ الحطاب في كلامه على قول خليل: أو سؤال مطلقًا ما نصه: وأما الصورة الرابعة: ويه، ما إذا كانت عادته في بلده السؤال، ومنه عيشه والعادة إعطاؤه، فقال المصنف في توضيحه ومنسكه: إن ظاهر المذهب أنه لا يجب عليه الحج، ويكره له الخروج، وجزم به هنا، وقال في الشامل: إنه المشهور وأقر في شروحه كلام المؤلف على إطلاقه، وكذلك البساطي والشيخ زروق، ولم ينبه عليه ابن غازي.